فلسطين ميديا - أزمة جديدة تضرب سوق الدواجن وبيض المائدة، وتمس ملايين المصريين مع ارتفاع سعر طن الأعلاف إلى 13 ألف جنيه في مستوى قياسي غير مسبوق.
ويأتي ذلك وسط حديث عن عجز في استيراد مكونات الأعلاف مع نقص العملات الأجنبية، ما أدى لتفاقم فجائي بأسعار "الذرة" و"فول الصويا".
وقفزت أسعار خامات تصنيع الأعلاف مؤخرا، حيث ارتفعت أسعار الذرة الصفراء لأكثر من 2000، مسجلة 9200 جنيه للطن مقابل 7150 جنيها نهاية الأسبوع الماضي، فيما زاد سعر طن كسب الصويا بنحو 1000 جنيه للطن، ليصل إلى 13 ألف جنيه مقابل 12 ألف نهاية الأسبوع الماضي، (سعر الدولار 19 جنيها).
وكان متوسط سعر طن الذرة في الربع الأخير من 2021 وقبل الحرب الروسية 251 دولارا، ليرتفع السعر في الربع الأول من العام الحالي إلى 302 دولار، واستمر الارتفاع في الربع الثاني إلى 333 دولارا.
وزاد سعر طن فول الصويا من 552 دولارا في الربع الأخير من العام الماضي، إلى 663 دولارا في الربع الأول من العام الحالي، ثم إلى 727 دولارا في الربع الثاني.
"نقص الخامات"
وكشف رئيس شركة "الفايز لتجارة الأعلاف" هاني فايز، لموقع "البورصة" الاقتصادي، أن "نقص المعروض من الخامات المستوردة أثر على أسعار الأعلاف والإضافات التي تدخل بالتصنيع"، مشيرا إلى أن زيادة الأسعار المتتالية تنعكس على تكاليف إنتاج الدواجن، وتؤدي لخروج المربين من المنظومة.
وفي السياق، قال عضو اتحاد منتجي الدواجن، محمد صالح، إن "ضعف كمية الخامات بالأسواق المحلية هي السبب الرئيسي لارتفاع الأسعار"، مشيرا لإرسال اتحاد مُنتجي الدواجن خطاب استغاثة بشأن الأزمة لرئاسة الجمهورية، ومجلس الوزراء، والبنك المركزي، ووزارة الزراعة، لحل الأزمة.
وفي تصريحات تلفزيونية، اعترف رئيس شعبة الدواجن باتحاد الغرف التجارية، الدكتور عبدالعزيز السيد، بأن أسعار الأعلاف وصلت أعلى مستوياتها، وزادت 1450 جنيها بيوم وليل، بسبب زيادة أسعار الذرة الصفراء.
وتوقع السيد بالتالي ارتفاع أسعار الدواجن والبيض، وخروج صغار المربين من صناعة الدواجن، التي توفر 75 بالمئة من البروتين للمصريين، وفق تأكيده.
"تمس الفقراء"
وتضرب أزمة ارتفاع أسعار الأعلاف بعد رفع سعر الذرة وفول الصويا قطاعا حيويا يعيش عليه فقراء المصريين، وهو قطاع تربية الدواجن وإنتاج اللحوم البيضاء والبيض، وتدفع الكثير من المستثمرين إلى الهروب منه، ويوقف عمليات تربية الريفيين للدواجن تحسبا للخسائر.
وخلال حزيران/ يونيو الماضي، بلغت أسعار الدواجن 52 جنيها للكيلو البلدي و56 جنيها للدجاج الأبيض المذبوح، بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء (حكومي)، فيما تعدى سعر كيلو الفراخ البيضاء الحية ما بين 30 و35 جنيها.
ويعاني المصريون بالتزامن مع هذه الأزمة من أزمات ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء والأسماك وبيض المائدة، الذي بلغ الشهر الماضي مبلغا غير مسبوق، لتصل أسعار كرتونة البيض (30 بيضة) إلى 85 جنيها، وسط حديث عن تلاعب بالسوق بعد وصول سعر البيضة نحو 3 جنيهات.
(م. ص)، أحد منتجي الدواجن بمحافظة الشرقية، أكثر محافظات مصر إنتاجا للدواجن وبيض المائدة، أكد لـ"عربي21": "إننا طوال الشهور السابقة نعاني من أزمات ارتفاع أسعار الأعلاف والذرة الصفراء، مع تخلي الحكومة عنا، وتركنا بمواجهة الغلاء وتلاعب كبار التجار والمستوردين".
وأضاف: "مع خسائرنا من موجات الحر الشديد، تتضاعف خسائرنا بمضاعفة أسعار الأعلاف ومعها أسعار الكتاكيت والأدوية، ما يدفعنا لتقليل الإنتاج، وغلق بعض المزارع، والتوقف عن بعض الدورات، وتقليل العمالة، ما تسبب في رفع سعر كيلو الفراخ والبيض"، مطالبا بـ"ضبط السوق والرقابة عليه ودعم المنتجين".
وقال (ج. ث)، تاجر أعلاف: "التاجر مجرد وسيط يحصل على الأعلاف من المورد أو المصنع، ويقوم ببيعها بهامش ربح يقرره السوق وكبار التجار"، مضيفا: "يوم السبت، كنا نبيع شيكارة العلف سوبر نامي 25 كيلو لمربيات الدجاج بالمنازل بـ285 جنيها، واليوم نبيعها بـ300 جنيه".
وتستورد مصر النسبة الأكبر من الأعلاف من أمريكا والبرازيل وأوكرانيا، فيما تنتج ما بين 15 إلى 20 بالمئة من استهلاك الأعلاف محليا، بحسب تصريحين من رئيس اتحاد منتجي الدواجن السابق نبيل درويش، ورئيس اتحاد منتجي الدواجن محمود العناني، لموقع "مصراوي".
ووفق بيانات شعبة الدواجن في مصر، فإن البلاد تحقق اكتفاء ذاتيا من الدواجن بنحو 95 بالمئة، إذ تنتج نحو 1.6 مليار طائر سنويا.
"لا انحياز للفقراء"
وفي تعليقه، قال السياسي المصري الدكتور محمد عماد صابر: "ما نعيشه في مصر لا تجد له وصفا علي مستوي الحكم والسياسة، والاقتصاد والإعلام، والعسكرية والقضاء، وصولا للفن والرياضة".
الطبيب البيطري المصري، أضاف، أن "البلاد تمر بأزمة اقتصادية عنيفة، تركتها على حافة الإفلاس، ومن آثارها مخالب الجوع والفقر والجهل والمرض، وهذه الأزمة تحديدا كاشفة لسياسات النظام".
وأكد أنها تشير أولا إلى "أزمة الحكومة وعدم قدرتها على توفير الدولار، والذي اقترب من معدل 20 جنيها، ويواصل هزيمة الجنيه أكثر وأكثر".
ولفت إلى أنه "وعلى عكس ما يشاع أن الدولة تنحاز للفقراء، فهي لم تقف بجانب صناعة الدواجن التي تمثل ظهير إنتاج اللحوم البيضاء للإنتاج المحلي للحوم الحمراء، ويُقبل المستهلك عليها كونها مصدرا رخيصا للبروتين الحيواني".
وبين أن "هذه الصناعة يعمل فيها ما بين 4 إلى 5 ملايين مصري، ويبلغ حجم الاستثمار فيها ما فوق الـ100 مليار جنيه"، مضيفا: "فإذا كان الأمر كذلك، فلنفتش عن مافيا استيراد الدجاج المجمد وأجزاء الطيور، وسنجد أغلبهم جنرالات جيش وغيرهم".
وقال إن "اللحوم البيضاء والبيض الوجبة المتاحة، وبصعوبة للفقير والمحتاج، أصبحت شيئا من الماضي لكثير من الأسر"، معتبرا أن "هذا فشل أخلاقي ومهني لمن يديرون هذا الملف، وخاصة أنه أمن قومي وغذائي".
ويعتقد أن تلك الارتفاعات في الأسعار "ما هي إلا خطوة في مسيرة الضغط على المواطن؛ حتى يظل أسير نيران الحاجة"، مبينا أن "البيض الذي اكتفت منه مصر وتصدره منذ 2006، يعد لدى الكثيرين البروتين الحيواني، ومصدر الزنك للمخ، والحديد للدم، والبروتين لبناء جسم الطفل".
ويرى أن ما يجري "سياسة ممنهجة يتبعها النظام، معتقدا أن "اشتعال الغلاء باللحوم الحمراء والبيضاء معا باستثناء الأسماك لهو أمر ممنهج".
"اختناق السوق"
واستشاري التغذية والأعلاف الدكتور محمد الشريف، تحدث عن الأزمة، متعجبا أن يستيقظ من يعمل في صناعات الدواجن والبيض والألبان واللحوم ليجد سعر الذرة ارتفع 1000 جنيه في 12 ساعة، ومن أسبوعين كان الطن بـ7000 جنيه، واليوم بـ9700 جنيه.
وعبر صفحته في "تويتر"، أكد أن "هذا ليس السعر العالمي، ولا بسبب أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، وأن هذه أزمة دولارات في البنوك المحلية، لافتا إلى أن هذا يعني وجود نقص في الاستيراد والمعروض واختناق السوق".
"فجوة تمويلية"
وفي قراءته للموقف، قال الخبير الاقتصادي الدكتور علي عبدالعزيز: "الأزمة في بدايتها، وارتفاعات أسعار الأعلاف أيضا ببدايتها، وهناك ارتفاعات أخرى قادمة أكبر بكثير تنعكس على أسعار البيض والدواجن واللحوم بارتفاعات غير مسبوقة".
الأكاديمي المصري، توقع، أن "تتجاوز كرتونة البيض الـ100 جنيه قريبا، وهو ما جعل شعبة الدواجن بالغرفة التجارية بالقاهرة تدق ناقوس الخطر".
وأكد أن "الارتفاعات ستتوالى مادامت هناك أزمة في توفير الدولار، مع فجوة تمويلية تتجاوز 50 مليار دولار خلال 14 شهرا من الآن، ما يعني انخفاض أكبر بالقوة الشرائية لدخول المصريين، ومعاناة أكبر لأكثر من 60 مليون مصري يعانون من ضغط توفير الاحتياجات الأساسية، بخلاف مصاريف التعليم والعلاج والمواصلات".
وقال: "هنا يجب توجيه اللوم لعبد الفتاح السيسي مباشرة؛ لأنه السبب الأول بالأزمة، وإن كان الشعب مشاركا بصمته عليه حتى الآن وعدم نزوله الشارع للاعتراض على سياسات السيسي ونظامه الأمني".
وأكد: "نحن أمام شروط قاسية لصندوق النقد الدولي حتى تحصل مصر على قرض 10 مليار دولار، وحتى تكون شهادة ثقة أمام المستثمرين الأجانب، وهذه الشروط سترفع سعر الدولار لمستويات كارثية لما فوق الـ20 جنيها وأكثر قبل نهاية 2022".
وحذر في السياق من مطالب الصندوق بـ"رفع مزيد من دعم الوقود والخبز وتغطية الاعتمادات المتوقفة، وبالتالي ستتأثر كل السلع، ومنها الأعلاف، بزيادات أكبر من الحالية، ويمكن ضعفين أو ثلاثة، وبالفعل لا حل الآن سوى إنقاذ ما يمكن إنقاذه بالنزول للشارع حتى رحيل السيسي".