سبب تأخر السيدة عائشة عن الجيش خرجت عائشة -رضيَ الله عنها- مع النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- في غزوةِ بني المُصطلق،[١] كما جاء في حديث عائشة -رضيَ الله عنها- قالت-: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذَا أرَادَ أنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أقْرَعَ بيْنَ أزْوَاجِهِ، فأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بهَا معهُ، فأقْرَعَ بيْنَنَا في غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ سَهْمِي)،[٢][٣] وكان ذلك بعد أن فرض الله -تعالى- الحجاب على النّساء، وفي طريقِ العودة من الغزوة نزلت من هودجها لحاجةٍ ما، ولمَّا عادت إلى الهودجِ تفقّدت عقدها فلم تجده، فرجعت للبحثِ عنه، وفي أثناءِ ذلك حَمل الرّجال الهودج ووضعوه على البعيرِ وهم يعتقدون وجودها داخله؛ لِخفّتها وصِغر سِنِّها، ومضى المُسلمون تاركينها وراءهم في الصّحراء، فلمَّا وجدت عقدها ورجعت إلى مكانِ تجمُّع الصّحابة الكرام لم تجد أحداً سِوى الصّحابيّ صفوان بن المعطل -رضيَ الله عنه- فيما بعد.[١][٤][٥] فكان سبب رجوعها فقْدها لعِقْدها؛ لأنّ أختها كانت قد أعارتها إيَّاه، ولمَّا انتشرت قصة الإفك، قال لها النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (إنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وإنْ كُنْتِ ألْمَمْتِ بذَنْبٍ فاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وتُوبِي إلَيْهِ)،[٦] فأقسمت -رضي الله عنها- أنَّها بريئة.[٧]
كان صفوان بن المُعطّل -رضيَ الله عنه- من خيرة الصّحابة الكِرام، وهو الذي قام بمساعدةِ السيّدة عائشة -رضي الله عنها-، وقام بحملها على بعيره، وتوجّه بها نحو المدينة بعد أن كان النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- قد وصل إليها،[٨] وكان ذلك بعد أن رآها نائمةً في مكانها الذي كانت فيه عندما فقدت عُقدها؛ لعلّهم يَفقدونها ويَرجعون إليها، فعرفها؛ لأنَّه رآها قبل فرض الحِجاب عليهنّ.[٩][١٠] فاستيقظت عائشة -رضيَ الله عنها- من نومِها بعد أن سمعت قول صفوان -رضيَ الله عنه-: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، زوجة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان سبب تأخُّر صفوان -رضيَ الله عنه-؛ أنّه كان كثير النّوم،[١١] فغطّت وجهها -رضي الله عنها- بجلبابها، وولم تتكلّم معه، وانطلقت راكبة على راحلتِه حتّى أتى بها إلى مكانِ نُزول الجيش، وكان ذلك في وقت الظهيرة.[٩][١٠] انتشار الحديث عن السيدة عائشة بالمدينة انتشر حديثُ الإفك في المدينةِ المنّورةِ قُرابة الشّهر، وعائشة -رضيَ الله عنها- لا تشُعر بشيءٍ أو تسمع به، ولكنّها شعرت بتغيّر مُعاملة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- لها، وبعد خُروجها لقت أُمّ مسطح تشتمُ ابنها، فقالت لها: أتسبّين رجلاً شهد بدراً؟ فأخبرتها بما تحدّث الناس عنها من الإفك، فازدادت مرضاً على مرضها، وذهبت إلى بيت أهلها، وسألت أُمّها عن الكلامِ الذي سمعتهُ، فطمأنتها، ولكنَّها بقيت تبكي طوال اللّيل، وهي على ذلك شهراً كاملاً،[١٢][١] وضاق الأمر بالنبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- بما سمِع من ترويج المُنافقين في أمر زوجته،[١٣] وكُلُّ ذلك كان بتحريضٍ من عبد الله بن أُبي بن سلول، وإذاعه واشاعته للخبر، ممّا ساعد على انتشار الخبر وتداولهِ بين النّاس.[٧] حديث الرسول مع السيدة عائشة وجوابها له جاء رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى السيّدة عائشة -رضيَ الله عنها- وأخبرها بما سمِع، فتشهّد وقال: (يا عَائِشَةُ، فإنَّه بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وكَذَا، فإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وإنْ كُنْتِ ألْمَمْتِ بذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وتُوبِي إلَيْهِ، فإنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بذَنْبِهِ، ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عليه)،[١٤][١٥] فلم تستطع إجابته وطلبت من أبيها إجابته، فلم يعرف ماذا يقول، فطلبت من أمّها إجابته، فلم تعرف ما تقول، فقالت: (إنِّي واللَّهِ لقَدْ عَلِمْتُ أنَّكُمْ سَمِعْتُمْ ما يَتَحَدَّثُ به النَّاسُ، ووَقَرَ في أنْفُسِكُمْ وصَدَّقْتُمْ به، ولَئِنْ قُلتُ لَكُمْ إنِّي بَرِيئَةٌ، واللَّهُ يَعْلَمُ إنِّي لَبَرِيئَةٌ لا تُصَدِّقُونِي بذلكَ، ولَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بأَمْرٍ، واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي، واللَّهِ ما أجِدُ لي ولَكُمْ مَثَلًا، إلَّا أبَا يُوسُفَ إذْ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، واللَّهُ المُسْتَعَانُ علَى ما تَصِفُونَ} [يوسف: 18])،[٢] وقالت ذلك وهي تعلم بداخلها أنَّ الله -تعالى- سيُبرّئها.[١٦][١٧] نزول براءة السيدة عائشة أنزل الله -تعالى- في كتابه الكريم آياتٍ تُبرّئ السيّدة عائشة -رضي الله عنها-؛ جزاءً على صبرها وتوكّلها على اللهِ -تعالى-،[١٨] وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول في نفسها أنَّ الله -تعالى- سيُبرّئها، ولكنَّها قالت: (ولكن والله ما كنت أظن أنَّ الله منزل في شأني وحياً يُتلى)،[٦] فكانت ترى نفسها أقلّ شأناً من أن يتكلّم الله -عزّ وجلّ- بأمرها في قرآنٍ يُتلى إلى قيام الساعة، وتوقّعت تبرئتها برؤية النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- ذلك في المنام.[١٩] ولمَّا نزل الوحي ببراءةِ السيّدة عائشة -رضيَ الله عنها-، ذهبَ النبيّ -عليه السلام- إليها، وقالَ لها: (أبشري يا عائشة! أمَّا الله فقد برّأك)،[٢٠] وأنزلَ اللهُ -تعالى- عشر آياتٍ من سورة النور في تبرئتِها، وبدأت بقوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ* لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَـذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ)،[٢١] إلى قولهِ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَـكِنَّ اللَّـهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).[٢٢][٢٣][٢٤] فقد بيَّنت الآيات بشكلٍ واضحٍ وصريح براءة السيّدة عائشة -رضيَ الله عنها- ممَّا اتَّهمهُ بها أصحابُ الإفك،[٢٥] فطلبت أُمّ السيّدة عائشة -رضيَ الله عنها- منها أن تقوم وتشكر النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام-، فقالت: لا أحمدُ إلَّا الله؛ ممَّا يدلُ على صفاءِ عقيدتها، وإيمانها وتوكّلها على اللهِ -تعالى-.[٢٣][٢٤]